إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
شرح سنن الترمذي
36924 مشاهدة
باب ما جاء في إجابة الداعي

باب ما جاء في إجابة الداعي.
حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف حدثنا بشر بن المفضل عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ائتوا الدعوة إذا دعيتم .
قال وفي الباب عن علي وأبي هريرة والبراء وأنس وأبي أيوب قال أبو عيسى حديث ابن عمر حديث حسن صحيح.


أجيبوا الدعوة إذا دعيتم اللفظ عام؛ يعني إذا دعيتم، ولم يذكر إلى أي شيء دعيتم، وإن كان السياق، وإيراد الترمذي له في هذا الكتاب؛ يفيد أنه إذا دعيتم إلى الولائم إلى وليمة للزواج ونحوه.
ظاهره أنه إذا دعيتم إلى أية دعوة، إذا دعيتم إلى طعام أيا كان ذلك الطعام، فيكون من حق المسلم على المسلم إذا دعاه أن يجيبه إلى طعام أو نحوه.
والترغيب في إجابة الدعوة ليس هو لأجل الأكل؛ بل لأجل تشجيعه، ولأجل إظهار المودة والمحبة له، ولأجل المساواة والتبريك له، وما أشبه ذلك.
وقد ورد أيضا الأمر بإجابته حتى ولو كان صائما إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليصل أي: فليدع، فأمر بأن تجيبه حتى ولو كنت صائما تدعو له وتنصرف من باب الإجابة؛ أنك استجبت لدعوته وحضرت ودخلت منزله وشرفته وبركت عليه وباركت له، وظهر منك محبته ومؤاخاته، وصدق المودة له، كل ذلك من الإسراف في إجابة الدعوة.
وقد ذهب بعضهم إلى وجوبها، واستدلوا بالوعيد الذي في بعض روايات الأحاديث من لم يجب الدعوة فقد عصى الله فإن فيه وعيدا على عدم الإجابة، مع ظواهر الأمر، وفي حديث ابن عمر هنا: وإذا دعيتم فأجيبوا وفي حديث أبي هريرة إذا دعاك فأجبه .
لكن مع ذلك قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في بعض الأحاديث: شر الطعام طعام الوليمة؛ يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، أو يدعى لها من يأباها، ويترك من يريدها أو كما قال، مع قوله: ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله .
والظاهر أن القصد من الحث على الإجابة هو ما يدل على الأخوة، كأنه يحث على تثبيت الأخوة والمودة، وإزالة ما يحصل .. منه القطيعة والتهاجر ونحو ذلك؛ فإنه إذا دعاك وليس لك عذر ولم تجبه، وعرف أنك تأخرت لغير عذر؛ سَاءَ ظَنُّهُ فِيكَ، واعتقد أنك هجرته، أو أنك لا تحبه ولا تريد أن تأتي إلى دعوته.
فإذا حصل ذلك كان هذا مما يسبب التهاجر والتقاطع بين المسلمين؛ لكن قد استثنوا من ذلك بعض الأشياء، استثنوا من ذلك دعوة الجفلة: وهي أن يدعو الجميع؛ أن ينادي في الأسواق وفي المجتمعات، إن فلانا يدعوكم أو على أبواب المساجد إن فلانا يدعوكم كلكم ولا يستثني أحدا. هذه تسمى دعوة الجفلة، والدعوة التي يخصص فيها فلان وفلان تسمى النقرى. يقول شاعرهم:
نحن فـي المشتاة ندعـو الجفلى
لا تــرى الآدب فينــا ينتقـر
الآدب؛ يعني صاحب المأدبة.
ففي هذه الدعوة قد يقال: لا يلزم أن يجاب؛ لأنه لم يخص فلانا وفلانا. ويمكن في هذه الأزمنة أن لا تلزم الإجابة أيضا؛ وذلك لأن الغالب أن الدعوات في هذه الأزمنة بواسطة كتاب يرسله إليه مكتوب كتابة عامة، وإن كتب اسمه في ظاهر الورقة ونحوها تسمى بطاقة.
فهذه الكتابة وهذه البطاقة معلوم أنها لا تنطق ولا تسمع ما يقال لها.
والمدعو قد يكون مدعوا قبل ذلك، قد يكون دعاه من هو أولى من صاحب هذه البطاقة، قد يكون معذورا أو منشغلا أو نحو ذلك، ولو خاطبه صاحب الوليمة لاعتذر إليه فعذره؛ فلأجل ذلك يقال: ليس كل من دعي يلزمه أن يجيب إذا كانت الدعوة بهذه البطاقة ونحوها.
الأولون كانوا يدعون بالرسل بأن يرسلوا مندوبا، ينادي فلانا وفلانا، ويقولون: إن الرسول معك هو إذنك؛ فلا حاجة إلى أن تستأذن ما دام معك من انتدب إليك. هذه عادتهم. إنما إذا كان عند إنسان وليمة وأعلن كما يعلن عن النكاح، ثم أولم الوليمة في ذلك النهار؛ أرسل إلى أصدقائه إلى فلان وفلان وفلان، فيدعوهم، ويأتون إليه دون سابق علم، والغالب أنهم يجيبونه.
وقد يكون أحدهم معذورا، وقد يأتيه مناديان داعيان، وقد ورد حديث أيضا في حكم من دعاه داعيان أنه يجيب أقربهما بابا، أو أقدمهما دعوة أو نحو ذلك. فهذا أيضا مبرر لعدم الوجوب -وجوب إجابة الدعوة- وهو إذا دعاه داعيان أو كان له عذر من الأعذار.
والحاصل أن إجابة الدعوة من المؤكدات، وإن لم تصل إلى الوجوب الذي يعاقب عليه سيما في هذه الأزمنة، والتي الغالب أنه لا يسيء بك الظن إذا لم تجبه، بل يعذرك ويعتقد أنك ما تخلفت إلا لمشقة، أو لعذر أو لأمر قد سبقه عليه غيرك أو نحو ذلك.